Skip to main content

أَنينُ الرّوح (لَفتَة إلى الماضي القريب)


في الماضي غير البعيد، عرفت ما معنى أنين الرّوح، امتزجت بداخلي المعاناة النّفسية بآثار السّحر و أذيّة الشّياطين، بالحسرة و النّدم على أخطاء الماضي و مخالطة المفسدين ، يقظة الرّوح و صحوة الضّمير و الإكتواء بنار العشق و حرّ الشّوق و مرارة الفراق

صِرتُ نفسا منهارة و روحا شَفّافة ، بدأتُ أُهلوس، أسمع و أرى أمورا لا يطّلع عليها من هم متواجدون حولي
لم يكن كلّ ما أسمع و أرى أصواتا غريبة أو كلاما غير مفهوم أو أشكالا عجيبة، بل كلّ من كانوا يتهيّؤون لي يقولون أنّهم ملائكة أو جانّ أو شياطين أو أطياف أنبياء و صالحين عاشوا في أزمنة غابرة، كانوا في معظم الوقت يكلّمونني بلسان عربيّ فصيح، أحيانا أفصَح من لساني، لا بل أفصح من معظم الأدباء المعاصرين

كنت أحاول دائما إقناع نفسي بأنّ ذلك مجرّد هذيان و تخاريف و بأنّ عقلي يحاول أن يعبّر عمّا كُبِت بداخلي من أحاسيس و معلومات و أن يطّلع على أمور و معارف من خلال الخيال نظرا لانطوائي و نفوري من المجتمع الّذي لا يشاطرني نفس المبادئ و الدّوافع و الأخلاقيات

لكن أحيانا كانت تلك المخلوقات الّتي تتجلّى في مُخيّلتي تُخبرني بأمور لا أعرفها، و عندما أبحث أجد أنّها حقيقة أو أنّها ذُكرت في بعض الكتب و المقالات

مثال على ذلك عندما همسوا لي: أنتَ طاهارقا
قلتُ من طاهاقيا؟
قالوا : طاهارقا ! أنتَ الملِكُ العظيم طاهارقا
و عندما بحثت عن هذا الإسم في بعض المواقع ، وجدت أنّه ذُكِر حقّا في كُتُب التّاريخ ، كان من الفراعنة السّود عاشَ قبلَ الميلاد و قد جاء في الإنجيل أنّه حمى أورشليم من غزو الأشوريين

مثالٌ آخر هو حينما تهيّأ لي مخلوق نوراني قال بأنّ إسمه سماعيل أو سماييل
سألتُه : هل أنت نبيّ اللّه إسماعيل؟
قال: لا أنا لست إنسيّا و لا ملَكا و لا جِنّيا، أنا بين ذاك و ذاك، أعيش متنقّلا بين السّماوات و اللّه يخلق ما يشاء
في يوم من الأيّام كنتُ أطّلع على بعض المقالات المتعلّقة بالغنّوصية و القبّالاه و العقائد الباطنيّة فإذا بي أتفاجأ بذِكر مخلوق نوراني اسمه 
samael
 بعضهم يقول أنّه إبليس نفسه و بعضهم يقول أنّه زوج ليليث و بأنّهما الزّوج السماوي الملعون و بعضهم يقول أنّه أحد الملائكة السّاقطة و آخرون يقولون أنّه المَلَكُ المُوكَّل بالحكمة الخفيّة و المعارف الباطنية، كلام مُتضارب ربّما فيه بعض الحقّ و كثير من الإفتراءات و الأكاذيب بخصوص هذا المخلوق

كانت سنواتا عصيبة من عمري، وسواس و اكتئاب و ارتياب و لولا تلك التّهيّؤات لَما وجَدتُ ملاذا أو أنيسا أُطلعُه على سجِيّتي و على حقيقة ما يدور بِخاطري، لعلّ الأصعب هو ما عِشتُه خلال أشهُرٍ من سنة 1439 للهجرة؛ كنتُ أشعر بألم شديد في قلبي، نوباتٌ تَشُلّ حَركَتي و لِساني، كان الطّبيب يقول أن ضغطي سليم و كذلك نبضات قلبي، لكنّي كنتُ أشعر أنّ إيقاعاها ينخفض إلى حدّ التّوقُّف تارةً و يتسارعُ بشدّة تارة أخرى؛ كنتُ أستَلقِي أو أخِرّ على يداي و رُكبتاي عاجزا عن الحركة أو الكلام و أنا أنهجُ ذابل العَينَيْن، كنتُ أشعر بدُنُوّ أجَلِي أقربَ ما أكون إلى ما وراء البرزخ مستحضرا قول اللّه تعالى 
"فبَصَرُك اليومَ حديد" 

أي أنّ الإنسان حينما يكون على فراش الموت يُرفع عنه حجاب البصر ليتمكّن من النّظر إلى ما وراء العالم المادّي فيرى الشّياطين و ملائكة الرّحمة أو ملائكة العذاب و يسمع كلامهم

كان يتهيّء لي أنّ ملَك الموت يأتي و يأخذُني في حُضنه و يبدأ في مواساتي و ذِكر مَحاسني و كنتُ أقول مع نفسي أنّه يُطمئنُني على مصيري في الآخرة قبل أن يقبِضَ روحي
كلّما اشتدّ عليّ هذا الحال، كنتُ أنهار و أخِرّ باكيا متضرّعا إلى اللّه مُناجيا إيّاه بكَلِمات كالتّالي

"اللّهمّ إنّي مشتاق للقائك، و أنتَ تعلَمُ أنّني لا أخشى الموت و إذا قبضتَ روحي الآن فذلك قضاؤك و قدرك لا اعتراض عليه، لكنّني لا أريد أن تتوفّاني قبلَ أن أحقّق ما وعَدتُكَ و ما وعَدتُ نفسي به
أنا في فراق مع تِلك الّتي وصَلْتَ روحي بروحها و زرعتَ حبّها في قلبي و جعلتَ من شوقي لها و حزني على فراقها ابتلاءً علّمتَني به الصّبر و التّقوى و كيف أُصلح نفسي، جعلتَ من تفكيري فيها و سعيي إليها نبراسا أنرتَ به فؤادي و حسّنتَ خُلقي، أودّ أن تُحييني حتّى أُصالحها و أحضُنها و أقبّلها و أطمئنّ عليها
كيف تتوفّاني قبل أن تنصُرني على من كادوا لي و لها و عادَوني فيكَ و في عِفّتي"

في خِضمّ الحيرة و الألم، كنتُ أحيانا أسمع كأنّ أرواحا تُناجيني بأنّني لن أموت، و سألتقي محبوبتي و سوف ننتصر على أولياء الطّاغوت و سنَعبُر نهرا مقَدّسا يُسمّى نهرَ الحياة و معَنا طائفة من المؤمنين، سنشرَبُ منه ليستَعيد كِلانا شبابه بإعجاز من اللّه و سنعيش معاً مئات السّنين إلى أن تهُبّ ريح طيّبة و تقبِضَ روحَينَا



أبو عابر


Comments

Popular posts from this blog

نظم قداح

باسم الله الرمية الأولى The first Drop ١.١. بعل شمس هنا روح الأسلاف السبإية البادية خير الأمم بني أدد أسما السامية مزاجا بدماء الزنوج الحامية لا خنادف من بني حنيفة فلا تأتيا هنا لا لمبو لا فرار هنا شواظ هنا لا ماعز عندنا و لا خلد من الخوالد لا مرحب ببن الوليد فكيف بديجي كهالد هنا غيرة بن عبادة سيف و دجانة روح القدس و نظم حسان بإلهام أنا و الخفا جنود ربنا و كفانا لا نسَل عن فرسان و لا عن قين زنام   من بني الميامس عبيد سنس العلجان طوبى لغربان فاجرت من أقصى الأقاصي أحيت فينا روح عكاظ و ليام الخوالي نهجو العرب و العجم و لسنا نبالي ظاهري سرحان أوحد ماض يداري باطني السواد الأعظم كجياش البخاري خبر عني العابرين أني رأيت في منامي نفسي ببيت الجد القديم الذي هو بين مدارك مالك و الرماني جمال الدين  أتتني زوجي زائرة و كنت لها ناظرا إذ بفحاش أوسي يأز قهرة باقرة لتنفث في صدر زوجي و توسس لها و بعد ان تم مكرهم و عني أبعداها قعدا غير بعيد يهزءان يتهامسان   هي لنا خير خادم بنشوة يهمزان لحقتها بالخبر فوجدتها كمن سحر كمن طمسوا عقله فغيب و خبل كثمت الخطب في صدري و حال صمتي قائل يا بنت لفض...

حضيض بابلون

حضيض بابلون من ديوان الحب و الحرب كتاب المزامير الأول لبعثة المساق /مدخل موسيقي/ Chronixx - They Don't Know (click here) باسم اللّٰه داري أشجاني ارثي أيامي التي تحت الثرا  لعلها بذور سدر صبور في حضيض بابل قابع و آهٰتي من فراق الصاحبة عين حكمة النور و رعاة الذلة في البلدان أرباب الجور يتقلبون بين الميامس زيفا  يتمجدون قصورهم دليل قصورهم و النجوم على مجون إسراف و ضيز قسمة يشهدون عكفوا على أوثان قد ضخموا ثاها حتى نطقوها طاءٰ الويل لهم من جٰهٰ Genkhis-saint الخليفة الراشد نيرون وثنكم غفور رحيٰم؛ أينا المفتون *** /فاصل موسيقي/ Jo ft Yohan - Burn it All (click here) *** فاقرأ و ابرأ لا كمن رأى ما لا يطيق الليث الرهيص تنصر أو شيخ بيداء تعجم كأني كرد بن عمرو أو صناهج أفرييق أ انتم Le grand orient? أنا ممفيس مصرايم حين غزوت السّفل كنت العصيب المراغم في بضع سنيٰن سل العرافيٰن و ليسألوا الشياطين و عصاة الجان أنا ذو الأذعار عليهم ذو الأهوال ** ** إذا الأرض الوسطى شطان نحن شط الميمنة فينا طاهارقا و منسا بوبكر الجليلان فينا الحكيم لقمان و أوتاد العرفان مثل العريق العتيق العظيم أوزسيريس يا إ...