بعض الرؤى تخبرك عن أخطائك في الماضي البعيد أو القريب، بعضها تحذرك من اتخاذ بعض الخطوات و أخرى ترشدك إلى النّهج القَويم و التّدبير السّليم لتحقيق ما تصبو إليه، بعضها أحلامٌ تعكس فقط حالتك النفسية أو ما يدور في خاطرك من مخاوف و متمنّيات، البعض منها يحمل تحذيرا أو بشائر بخصوص أمور انتظرتها طويلا و سوف تتحقق بعد أشهر أو بعد سنوات
لكن ماذا عن تلك الرّؤى المباشرة أو الّتي تحتمل وجها أو وجهين فقط للتّأويل و الّتي تتحقّق و يثبت صدقها مباشرة بعد استيقاظك من النّوم أو في أجل أقصاه يومان أو ثلاثة أيّام، تلك بمثابة شاهد على صدق باقي الرؤى المعقّدة و المُؤجّل تحقيقها، وقوعها بتلك السّرعة دليل أيضا على رموز أخرى و بشائر تحملها هي نفسُها يجب على الرّائي أن يصبر و يُثَابر و أن يجتهد في التقرُّب من اللّه عزّ و جلّ حتّى تتحقّق بعد فترة من الزّمن
عاد بي الزّمن إلى صيف 2008 حين رأيت في إحدى اللّيالي و أنا نائم فتاة رمَت بنفسها من الطّابق العلوي من أجل الإنتحار لكنّني رميت بجزء من جسدي مانعا إيّاها من الإصطدام بالأرض لكي لا تتأذّى، حينها فقدتِ الوعي ثمّ ذَهبتُ باحثا في سيّارة أبي عن شيء يُساعدها على استعادة وعيِها، لمّا عُدت وجَدتُها قد نهضت و ذهَبَت مع صديقاتِها، ثمّ التفتَت و رَمَتنِي بنَظَرات غاضِبة و كأنّها تُعاتبني بشدّة أو تقول لي أنتَ سببُ مأساتي
قلتُ مع نفسي أثناء الرّؤيا هي لا تعلمُ أنّني أنقذتُها من الموت ثم بدأتُ أنظُر يمينا و يسارا باحثا عن حلّ، حينها لمحتُ من بعيد قارورتَيْن بِهما مشروبان أحدُهما أصفر فاقع و الآخر بنفسجيّ اللّون، كأنّهما بصيص من الأمل، فَرجٌ بعيد المنال أو مُرادٌ سأصِلُ إليه في نهاية تلك الحكاية بعد تعب و طول انتظار نظرا للدّلالات الإيجابية الّتي يحملها كلا اللّونَين في تأويل الرّؤى
كان هذان اللّونان رمزَينِ إيجابِيَيْن في تلك الرّؤيا، أمّا الإنتحار فهو يدُلّ على مشاكل حادّة و أحزان ستعيشُها تلك الفتاة و أنا نفسي كوني صاحب الرّؤيا و بالنّسبة لنظرات الكره و الغضب فهي تُعبّر عن خلافات و أزمات ستقع بيني و بين تِلك الفتاة ، أمّا باقي الرُّموز أعتقد أنّها حملت معاني مباشرة أو مجازا بسيطا و لن أقف في هذا النّص على تأويلها
بعد يوم أو يومَين من تلك اللّيلة كنتُ أتحدّث إلى أحد زملائي ففاجأني حين أخبَرَني أنّه التقاها مع صديقاتها و كُنّ مبتهجات تتحدّثن و تستمتعن بوقتِهِنّ إلّا هي كانت صامتة و مكتئبة كأنّها تحمِل همّا ثقيلا
في الموسم الدّراسي الّذي تَلا تِلكَ الرّؤيا، مررتُ بأزمة عميقة و فراغ رهيب و تدهورَت حالتي النفسية و الجسدية بشكل ملحوظ، لكنّني حاولت استجماع قواي في نهاية الموسم ثمّ اتصلتُ بها و التقيتها فحدّثتُها لبضعة دقائق و صارحتها بشعوري اتجاهها في كلمة واحدة خرجت بعد تفكير طويل
إلّا أنّني عرفتُ اضطرابات قويّة بعد ذلك و لم تَتِم الأمور كما كنّا نبتغي و نشبَت بيننا خلافات كثيرة من بعيد دون أن نكون معا حيث سادت الأخطاء من كلَينا و غاب الصّفح و طغى كلٌّ من الأنا و الكبرياء على صدَى قلبَيْنا و صِدق مشاعرنا فكنتُ أُقبِلُ تارةً فتُعرِضُ، ثمّ تُقبلُ هي تارةً أُخرى فأُعرِض، فتحقّقَت الرؤيا بتدبير من اللّه ليبتليني و إيّاها و ليختبرنا و يختبر أشخاصا آخرين كانوا في محيطنا، و بقينا على ذلك الحال إلى أن فرّقتنا المسافات و حالت بيننا، لكن للقلوب و الأرواح حديث آخر... و البُشرى لِمَن إستَقام
في ليلة من ليالي أكتوبر سنة 2021 رأيتها في منامي واقفة مع 4 أو 5 شابّات بأحد أزقة مدينتي يسمّى زنقة 21 غشت (و الّذي كنت قد صادفت فيه في أحد أيّام الصّيف الماضي قطّا مصابا إثر حادثة سير فساهمتُ في إنقاذه)، كانت ترتدي ثيابا باللّون الأصفر الباهت بينما كُنت أرى غيرها من دون ألوان، رأتني لمّا مررتُ أمامها ثمّ تجاوزتُها ببضعة أمتار و وقفت محتارا و متسائلا عمّا يمنعها من القدوم إليّ رغم أنّها قد رأتني
طأطأت رأسي حزينا و شكوت ذلك لأُمّي الّتي كانت معي في تلك الرّؤيا...صمتَت للَحظات...فجأة قالت لي... انظُر ها قد أتَت...رفعتُ رأسي فإذا بي أرى من كانت سبب حزني و حيرتي قد أقبلَت عليَّ بوجه بشوش و وقفَت أمامي وحيدة مُرتَدية نفس الملابس
اللّون الأصفر الباهت في المنام خاصّة لمن يلبسه لا يحتمل تأويلا غير الهَمّ و المرض كما يُعبّر أيضا على أثَر السّحر و العين و الحسد في حياته و في حياة الرّائي
بالتّفصيل، هذا اللّون قد يرمُز أيضا للخلافات العائلية و المشاكل في العمل أمّا الرّجل الّذي يراه في منامه يعني له ذلك أنّ مُشكلة تشغله في حياته و تُحزنه و لم يستطع إيجاد حلّ لها و هذا أمر أعيشه و أعرفه جَلِيّا عن نفسي، أمّا إذا رأت المرأة أو الفتاة ذلك اللّون في منامها فهذا يعني أنّها مريضة و تتّبِع في حياتها سلوكيات مُضِرّة بصِحّتها و باستقرارها النّفسي و بالتّالي يجب عليها الإنتباه لعاداتها الغذائية و تنظيم ساعات نومها و الإهتمام بصِحّتها، أمّا إذا رأت أنّها ترتدي ملابس صفراء باهتة فهذا قد يَدُلّ على مُرورِها بضائقة نفسية شديدة نتيجة بعض الأزمات الّتي عاشتها في الماضي أو بعض القرارات الخاطئة الّتي تسبّبت لها في الحسرة و النّدم ممّا أوصلها لحالة من الإكتئاب العميق و الحادّ و اللّه تعالى أعلم
كم أتمنّى أن يكون هذا التّأويل الأخير خاطئا لأنّني أنا من كنتُ أرى في منامي و ليست هيَ، لكن من يَدْري؟ قد أكونُ مِرآةً لها و انعِكاسا لِوَميضِ رُوحِها
بالفعل، أوّل ما فتحتُ هاتفي بعدما استيقظت من تلك الرّؤيا بَلغَني نبأ إصابتها بأحد الفيروسات، قلتُ مع نفسي صَدَقَت الرّؤيا و انزعجتُ كثيرا و بدأتُ أفكّر في رمزية اسم ذلك الزّقاق ”21 غشت” و في دلالة حادثة القطّ الواقعية و ما علاقتهما بتأويل هذه الرّؤيا و بأحاسيسي، بأخطائي و اضطراباتي و الأحداث الّتي عِشتُها ما بين غشت و أكتوبر بسلبياتها و إيجابياتها، بدأتُ أيضا أتساءل عن تلك الفتاة؟ و عن حالها طيلة تلك الفترة؟ كما أنّني استبشرت خيرا بالمعاني الإيجابية الّتي حملَتها رموز أُخرى في نفس الرّؤيا
في الختام أودّ أن أشير إلى أنّ الرّؤى سواء كانت بسيطة واضحة المعاني أو كانت مبهمة و معقّدة تحتاج إلى الحكمة و البصيرة لفكّ رموزها، هي غيبيات يُطلِع اللّه من يشاء على بعضها و يحتفظ بما يشاء لنفسه وسع كلّ شيء علما، هو الوحيد القادر على تحقيقها متى يشاء و كيفما يريد بإذنه جلّ و علا و ما علينا سوى الإذعان لأمره، أن نرضى بقضائه و قدره و أن نستعين بالدُّعاء و اتّباع الأسباب، و اللّه وليُّ الصّالحين
Comments
Post a Comment