وجودي على سطح الأرض ليس سوى تجَلٍّ لي في العالم الملموس
أما عندما أبحث عن وِجداني الحقيقي أجِدُنِي دائم التِّرحال بين كوكبي المرّيخ و الزُّهرة
بين مَقامَي الحرب و الحبّ حتّى وجدت نفسي أكتوي بنارَين نار الغضب و نار العشق
أما عندما أبحث عن وِجداني الحقيقي أجِدُنِي دائم التِّرحال بين كوكبي المرّيخ و الزُّهرة
بين مَقامَي الحرب و الحبّ حتّى وجدت نفسي أكتوي بنارَين نار الغضب و نار العشق
أطفأت الأولى بماء الحكمة و حصَرتُ الثانية داخل مصباح الأمل ثمّ ركَنتُها في مشكاة الفِطرة لتُنير دَربي و تزيدني فضلا
و لَمّا اتّسعت رُقعَتُها احتويتها في مَوقِدٍ عظيم ثمّ وَضَعتُها في الرُّكن المُقدّس من صَدري قُرب البسملة و التهليل و التسبيح و التكبير لتُدفئَ قَلبي، لِتُلين حَديده و تُذيب الصَّقيع الّذي تَرسّبَ على سَطحِه خلال ليالي الشتاء الطويلة و المُوحشة
أنا ابن المرّيخ، أنا ابن لهيبه، اسألوا عنه القدامى، الفلاسفة، المؤرِّخين و المنجّمين، سيقولون أنّه موطن المحاربين، فيه
اكتَسَبتُ الصَّرامة و البَأس و الشِّدة و شيئا من القسوة و الغِلظة
لكن مُقامي بالزُّهرة أكسَبَني اللّطف و الرّأفة و الحِسّ المرهف، علّمني أنّ اللّين و الحنان و العطف أُمور واجبة في بعض المواقف و لِصَون بعض العلاقات
أن تكون ابنا للمرّيخ يعني أنّك مُحارب بالفطرة، لكنني لم أعد أؤمن بالحروب بين الدُّول و القوميات و المذاهب، لم تعد تعنيني النِّزاعات السياسية و الفكرية و الطائفية، الحرب الّتي تَعنيني هي صِدام بين الشرّ المُطلَق و الخير المُطلَق، أخُوضُها مخافة أن يطغى الأوّل على الأخير حَولي و بِداخِلي، قد تَتَخَلّلُها مُعاهدات ، فتَرات سلم
و هُدُنات لكِنّها هُدَنٌ على دَخَن، إنّه صِدام أبَدي لن ينتهي إلّا بانقطاع الأنفاس على سطح المعمورة
هو نزاع بين أولئك اللّذين يُلامِسون الثُّريّا بوِجدانهم و آهاتهم و يَسمُون بأرواحهم إلى علّيّين ليَطُوفوا بها مع الملائكة حول البيت المَعمُور، و بَين تلك المخلوقات الخَفِيّة و الحقودة الّتي تتسلّق سلالم السماء لتسترق السّمع فإذا فازت بنبأ أو جزء من خَبر عادت به إلى الأرض مغرورة و منتشية بما صَنَعَت، ثمّ تزرَع فيه أكاذيبا و افتراءات لِتعمَل به هي و أولِياؤها من بني البشَر على مُعاندة الأقدار و زرعِ الضَّغَائن بين أهل الصّفاء المُتحابّين في اللّه
إنّها أيضا حرب بداخلي بين هوى الرّوح و هوى النّفْس، الروح تعشق في اللّه، لا تَخُون، تتمَسّك ببَصيص الأمل و لا تَبغِي سوى مَعشوقَتِها حتّى و إن طال الإنتظَار، بينَما تريد النّفْسُ أن تُشبِع رغباتها و أن تطَأ كُلّ من تُثِرن شهوَتَها دون أن تكثَرِت بقِيمَة أو مَبدَأ أو بانكِسار خاطر أحَد و دونَ أن تُبالِي بِعَين الخالق الّتي لا تَنام
أرَى انعِكاس صُورَتي في الكَون و أشعُر بتَجلّي الكون بِداخِلي ، فلَمّا تُهتُ بوِجداني عن مَوطني و مُقامي صِرتُ شِهابا في الفضاء الفسيح ، لا أستقِرّ على حال ، أتتبّع و أرجُم كُلّ الأنفُس الخبيثة و الأرواح الشرّيرة الّتي كانت تَنشط في نِطاقِي ، و لمّا أصابها اليأس و ابتعدت عنّي ، وجَدتُ لنَفسي مُستَقَرّا أتلألأُ فيه بَينَ النّجوم و الكواكب أُضيء تارَةً و أخفت تارة أُخرى حتّى لا أحتَكر السّماء، هِيَ للجَميع، من حقِّهم أن يستَقِرّوا و أن يسطع نجمُهم فيها، لكِن البعض اكتفى بالمَلمَس و المَأكَل و المَشرَب، اكتَفى بانتِمائه لِتُربة الأرض و استغنى بِذَلِكَ عن نَفَحات المَلَكُوت و عن المَصدَر السّرمَدي الّذي يُضيء القُلوب بِنُوره
ثُمّ نزَلتُ الأرضَ فعِشتُ في غُربَة
كذِئب يتيم بين الضّباع
رغمَ الأَنام حولي شعرت بوحشة
كطِفل وحيد تاه في الخلاء
نَعَم، عالمُكُم الغريب المليء بالمكر و الخديعة جعلني أعيش بين خَوْفيْن؛ خوف من أن أفقِدَ نَفْسي رُضوخا لأولئك اللّذين لا يَقبلون أن يَرَوا في غيرهم اختلافا أو استثناءً أو تمَيُّزا، وخوف من أن أفقِد من أعشَق إرضاء لقَوم يخلِطون بين تعاليم الدّين و العادات و التّقاليد و آخَرون يدَّعون الرُّقيّ و التّحَضّر لكِنّهم في قِمّة الوَضاعة و الإنحِطاط، أو بِسبب تِلك الأنفس الخبيثَة الّتي تتصنّع النُّصح و البراءة، تتوَدّد إلَيك بأحضان و قُبلات و كلام معسول لكن غايتها من ذلك هي أن تجرح غيرة روحِك التّوأم و أن تمسَح بكَرامتها الأرض، كما قال عليّ ابن أبي طالب في وصفه لقَوم سيكونون في آخر الزمان "ألسنتهم أحلى من العسل و سرائرهم أنتَن من الجِيَف
بعضُها ليسَت بذَلك الخُبث لكنّها تعَوّدت على تِلك الحركات و قد يكُون لها نفسُ الأثَر الّذي ذكرنَاه سابقا، قد تتسبّب في قطع الوصال مع الحبيب لِأنّ الشياطين تنفث في أقوالها و أفعالها لِضُعفٍ في إيمانها أو لنقصٍ في مُروأتِها
فعلاً، بعضُ الأشخاص يجب أن تَكنسَهُم من بَهوِك و إلّا فلَن تحلّ به ملائكة الرّحمٰن لِتُبارِك علاقاتك
بينَ الزُّهرة و المرّيخ مَقام لا يعرِفُه إلّا من حارب من أجل الحُبّ، نقطة مضيئة لا يطؤها سوى من صبر و استمات و تحدّى الكارهين، من غار و أَغَارَ، من غضِب و هجر، من لامَ و عاتب ثمّ عاد و سامَح
بين الزُّهرة و المرّيخ، بين الرّوح العاشقة و الأنا اليقظ، بين اللّين و القَسوة، أحِبّوني بِصِدق و أخلِصوا لي لأرضى عنكم و ترضوا عنّي ثمّ ارهَبوني و اخشوا عدائي لتستَقيم أفعالكُم مَعِي، إذا أخطَأ أحدُكم في حقّي ثمّ أصابَه النّدم و أدرَك فَداحة ما اقتَرف فلا يقنَطَنَّ من صَفحي، قد أُعاقِب بالصّمت أو أُعذّب بالهجر أو أنتقم بلساني أو بيدي، لكنّني رحيم لا تَفوتُني فرصة للعفو إلّا عَفَوت، قد يشفَع لأحدِكم عِندي حُسن نِيّته أو قد يشفع له الإعتذار و إصلاح خطئه، قد تشفَع له كلمة طيّبة، ابتسامة صادقة، نظرة بريئة أو ملامِح اختلَط فيها الأسى بالنّدم، قد أنظُر إلى توبته و استقامته مع غيري أو إلى رأفته بالمخلوقات الضعيفة التي لا حول لها و لا قوّة فأَغفِر، كلّ ذَلِك لأنّ روحَ الإلٰه الّتي تسكُن أضلُعي دائمة الوصل بيني و بين مصدَرِها
أبو عابر
Comments
Post a Comment